الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الحكم الجبري ومعلومات خطيرة جدااا


للدكتور محمد بن عبد الله الشباني يصف فيه الحكم الجبري
المرحلة الثالثة التي حددها الرسول عليه الصلاة والسلام لمسيرة الأمة الإسلامية هي مرحلة الملك الجبري وهي الفترة التي نعيشها، والتي ستعقبها مرحلة الخلافة التي على منهاج النبوة حيث تنغلق دائرة الدورة التاريخية لِلأمة الإسلامية، ويبدأ العد التنازلي لنهاية العالم . 
الحكم على الفترة المعاصرة بأنها مرحلة الملك الجبري التي تتميز بتعطيل أحكام الشريعة الإسلامية، بجانب الظلم والاستبداد وقد اخبر النبي عليه الصلاة والسلام في عدة أحاديث عن سمات هذه المرحلة وذلك بالخروج على أحكام الإسلام وقيمه وتعاليمه
، فقد روى الدارمى في سننه 
عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه
عن أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير ) 
قال ابن الأثير في النهاية عن الملك الأعفر هو ملك يساس بالمكر والدهاء ، 
وفي رواية أخرى عن أبي داود الطيالسي والطبراني 
عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشنى رضي الله عنه
عن أبي عبيد بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما 
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافه ورحمة وكائنا ملكا عضوضاً وكائنا جبرية وفساداً في الأرض يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون حتى يلقوا الله ).
وقد أوضح هذا الحديث الصفة الملازمة للمرحلة الجبرية بأنها تلك المرحلة التي تتصف بالظلم والخروج على تعاليم الإسلام في الحكم وفي التشريع، أي إحلال التشريعات الكفرية محل التشريع الإسلامي، بجانب ما يتصف به هؤلاء الحكام من تعسف وظلم واستبداد مع تمكنهم من السيطرة واستمرار الحكم.
واقع الأنظمة والتشريعات التي يتم التحاكم لها هي أحكام مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ومعطلة لها وقد شملت تلك التغيرات أحكام الأحوال الشخصية بل وصل الأمر إلى إلزام الدول بالتوقيع على وثيقة ما يعرف بالتميز ضد المرأة والالتزام بتعديل الأحكام والأنظمة التي تتعارض مع هذه الوثيقة التي قامت على هدم بناء الأسرة بهدم الأحكام التي أوجبها الإسلام فيما يتعلق بنظام الأسرة وحقوقها.
تتميز هذه المرحلة من مراحل مسيرة الأمة الإسلامية كما اخبر عنها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفات تميز طبيعة الحكم الجبري عن غيره من أنواع الحكم التي مرت بالأمة الإسلامية ويمكن إيجازها في الأمور التالية:-

1 - الكذب واستمراؤه والطلب من الناس تصديق الحكام فيما يدعونه من كذب فقد روى الإمام احمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة 
أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدى لا يهتدون بهدى ولا يستنون بسنني من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منى ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاؤلئك منى وأنا منهم وسيردون على حوضي ) كما روى البخاري في الكني والطبراني عن أبي سلامة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبون ويعملون ويسئون العمل لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزا فمن قتل على ذلك فهو شهيد ).

2 - التسلط المطلق وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين والحق ما منحوه وليس لأحد حق إلا ما وافقوا عليه فقد روى الحاكم في مستدركه موقوفا عن حذيفة رضي الله عنه انه قال 
لا تزالون بخير ما لم يكن عليكم أمراء لا يرون لكم حقا إلا إذا شاءوا ).

3 - التشدق بالكلام والتحلي بالحكمة والمعرفة فكلامهم وخطبهم في غاية الإتقان والحكمة فتجد الحاكم إذا تحدث وتكلم وناقش أي أمر من الأمور تحسبه ملما بكل شيء عالم بكل شيء ومدركا لجميع الأمور لكن تعاملهم مع الناس والأحداث بخلاف ما يظهر على ألسنتهم.

فقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيكون بعدى أئمة يعطون الحكمة على منابرهم فإذا نزلوا نزعت عنهم وأجسادهم أشر من الجيف ).

4 - فساد البيئة الإدارية لأنظمة الحكم في هذه المرحلة حيث يتصف أعوان هؤلاء الحكام بصفات تساعد في إفساد البيئة الإدارية واستشراء الظلم فقد روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 
(يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزارء فسقه وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكون لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا ).
كما روى البزار عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة وأمناء خونة وفقهاء فسقة سمتهم سمة الرهبان وليس لهم رعية أو قال زغه وقال زعة فيلبسهم الله فتنة غبراء أو مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم ).
المتأمل لهذه الصفات التي تتصف بها المرحلة الجبرية يجدها في واقعنا المعاش فلا تلتفت حولك يمنا ولا شمالا إلا وتجد هذه الصفات التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام فهي الصفات الغالبة على أنظمة الحكم في العالم الإسلامي مما يؤكد أننا في نهاية المرحلة الجبرية وسيعقبها المرحلة التي على منهاج النبوة وهذه المرحلة لم يرد ما يوضح المدى الزمني لها، وهل هذه المرحلة تمر زمنيا كما مرت بها مرحلة الخلافة الأولى ولكن الأحاديث أشارت بشكل واضح إلى أن جزء من مرحلة الخلافة على منهاج النبوة في آخر الزمان سيتولى المهدي قيادتها وسوف يقوم بمحاربة الدجال وسيكون من إكرام الله له أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وهو قائد للمسلمين في اشد فترات الخلافة الإسلامية وأصعبها حين يصل الأمر إلى حصاره وإتباعه في بيت المقدس والتي تمثل عاصمة الخلافة الإسلامية كما اخبر عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث سيتسلم عيسى عليه السلام قيادة الأمة الإسلامية من المهدي. إن السؤال الذي يطرح دائما لدى كثير من الناس هل عودة الخلافة على منهاج النبوة مرتبط فقط بالمهدي أي أن بدء الخلافة تبدأ بالمهدي الذي تواترت الأحاديث بخروجه أخر الزمان وتنتهي بتسلم عيسى عليه السلام لها بحيث أنها الفترة الوحيدة وقــد وردت بعض الأحاديث التي حددت مدة المهدي بتسع سنوات، أم أن المهدي يأتي في أخر السلسلة في مرحلة الخلافة قبل نزول عيسى عليه السلام وبالتالي فان مرحلة الخلافة التي على منهاج النبوة ستدوم فترة زمنية قد لا تقل عن فترة الخلافة في عهدها الأول بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام والتي بقيت ثلاثين عاما، وهل ستعــود الخلافة متدرجة من الملك الجبري إلى كمال الخلافة في عهد المهدي؟ إن الأحاديث الواردة حول أخبار المهدي والذي سيكون هو أخر أمراء الدولة الإسلامية تشير إلى أن الخلافة على منهاج النبوة ستمتد فترة زمنية معينة قد تطول أو تقصر ويكون المهدي الذي يحارب الدجال هو المهدي الذي أشارت إليه الأحاديث وان مرحلة العودة إلى الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة قد تكون متدرجة ويحصل فيها هزات عنيفة تبدأ بالمسيرة بالعودة إلى شرع الله من خلال الحكم الشورى، وظهور حكام يعيدون لِلأمة الإسلامية موقعها ويتم تطبيق شرع الله خلال حكمهم وتنتهي هذه المرحلة أي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة بالمهدي الذي سيكون آخر ولاة المسلمين فتنتهي عندئذ الخلافة بمثل ما انتهت إليه الخلافة الأولى بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن الذي سيخلف المهدي في هذه المرحلة هو عيسى عليه السلام






معنى الثورات العربية


الثورات والانتفاضات هي في الجوهر ظهور قوة جديدة تضع توازن القوى المهيمنة موضع التسائل وتنقله الي اللاتوازن ، وهي عادة ما تستمر حتى ينشأ توازن جديد مستقر. القوة الجديدة في العالم العربي ، والتي أعربت عنها تونس وتردد صداها في أنحاء العالم العربي ، هي قوة الشعب. الشعب يريد أن يحكم نفسه في دولة تخدم المصالح العامة للجميع ، وليس مصالح القلة.ان تحميل الانتفاضات العربية أكثر من ذلك هي مسئلة مضللة وقد تكون خطرة. فعلى الرغم من الإيديولوجيات المختلفة المشاركة في الانتفاضات ، لا توجد ايديولوجية مهيمنة -- أو بعبارة أخرى ، ليس هناك في هذه الثورات سوى مهمة بناء دولة ديمقراطية مستقلة. التنوع في الوحدة هي واحدة من ملامح ثراء و نضج الثورة العربية الحالية
ان المستقبل لن يكون كالماضي أبدا سواء إذا كانت الانتفاضات قد انتصرت أو هزمت بالقوة. فقد اطاحت الانتفاضات بالفعل زين العابدين بن علي ومبارك وفتحت الطريق لبناء دولة ديمقراطية مدنية في تونس ومصر.
ولقد انتهت في العالم العربي شرعية التيارات التي أعلنت نفسها طليعة تحكم باسم الشعب من دون طلب راي الناس. لا شرعية ، بعد الآن ، لأي نظام دون تلبية الحقوق الفردية والوطنية للجميع. لا شرعية للحكومات الغير منتخبة. لاملكيات مطلقة ولا جمهوريات شخصية
ان القوى المهيمنة التي تتحداها القوة الجديدة هي الأنظمة العربية و الامبريالية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ، التي غزت واحتلت العراق وكذلك إسرائيل وحتى الإيديولوجيات المعارضة لهذه القوى التي لعبت دورا في تحويل انظار الشعب عن النضال لان يحكم نفسه بنفسه.
ولقد اعلنت الثورة العربية الحالية وبشرت بان ما يريده الشعب يستطيع تحقيقه بنفسه دون انتظار التيارات الطليعية لتقوده الى الثورة
ان تركيب الانطمة العربية الحالي محكوم عليه بالتغيير فإما أن تبدأ قيادات الانظمة إصلاحات حقيقيةتقود إلى دولة مواطنين وبالتالي تفقد هي امتيازاتها، أو محاربة الشعب وبالتالي السقوط. ان ردود الفعل من قبل الانظمة مختلفة ، ولكن مثال العراق اولا ، وكذلك تونس ومصر تقدم دليلا على أن الأنظمة ان اعتمدت على قوة الشرطة والقمع فهي لا يمكن أن تستمر في الحكم ونهايتها السقوط. وامثلة اليمن وسوريا وفلسطين تظهر ان ما يواجه الانطمة هو إما إصلاح الأنظمة بالاستماع إلى الشعب أو ان تواجه، منهكة نفسها في الوقت داته، معارضة شعبية لن تتوقف. ان الشعوب قد اعلنت انها تريد أن تحكم نفسها بنفسها من أجل مصلحة الجميع.
لقد اعلن العرب ، بمن فيهم الفلسطينيون ،ان بامكانهم بناء الديمقراطية. ان اسرائيل ترتجف لانكشاف كذبة احتكارها الديمقراطية وهي لا تستطيع وقف هذا يشن حربا جديدة لوقف التحولات الديمقراطية فشن مثل هذه الحرب الان ان لم تكن قاتلة لها كليا فهي كذلك على الأقل من الناحية السياسية ، لا سيما في أن مصر كان لديها الحكمة لأن تعلن ان ثورتها ليس لشن الحروب ولكن للدفاع عن أمنها وحقوقها ومصالحها
 ان نتائج فشل العولمة الليبرالية ، واوصاع الأزمة المالية العالمية المخيمة وتجربة مواجهةالمقاومة في العراق تجعل الولايات المتحدة وحلفاءها تفكر ألف مرة قبل أن تشن حربا ضد الانتفاضة العربية الديمقراطية. ان ذلك سيكون كارثة مالية معلنة مسبقا ، وكارثة للادارة الامريكية ومصالحها. وبالتالي فانها بدلا من شن الحرب تحاول احتواء الثورات عن طريق اتخاذ تدابير ايديولوجية ودبلوماسية واقتصادية ، أو وضع حدود للانتفاضة واجهاض الثورة عن طريق التدخل العسكري المحدود ، كما هو الحال في ليبيا. ان هذه المحاولات هي محاولات فاشلة ودون جدوى وهي لن تستطيع ايقاف التغييرات الديموقراطية
ولكن على الرغم من تواطؤ اميركا مع إسرائيل ، وغزوها واحتلالها للعراق ،واتباع سياسة الكيل بمكيالين وتدخلها في الشؤون العربية الداخلية ، وهي امور يعارضها العرب ،فليس في الانتفاضات العربية ما تبين أن هذه الانتفاضات هي ضد حرية التجارة والتبادل ، بما في ذلك النفط. مع امريكا والعالم,
اما الثقافة العربية التي تحتم أن الأرض وما في باطنها هي ملك للأمة ، ولا يمكن نقل ملكيتها لغيرها ، وتحتم بأن الدولة هي المسؤولة عن الخدمات العامة ، وهي ثقافة مشتركة لدى غالبية الشعب ، فعلى الولايات المتحدة والغرب ان تقبل هذا الأمر لان هذه الثقافة هي من صلب الهوية العربية
منذ 100 عاما فان القوى الخارجية هي التي تقرر للأنظمة العربية والعرب ما يجب التفكير والقيام به. الثورات العربية تعلن عهدا جديدا ، ليس فقط للعرب بل أيضا للعالم. وهو انه عندما يقرر الشعب امرا ، فإنه يستطيع تحقيقه . ان تملك العرب ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة ، بينما في الوقت نفسه الدفاع عن حقوقهم الوطنية والقومية سيغير الوضع في المنطقة العربية والبحر المتوسط ​​وما ابعد.
ان القوى القديمة تموت. ولم تحل محلها القوى الجديدة بعد . بالنسبة لنا فان المستقبل مليء الإنسانية











شرعية المظاهرات السلمية للشيخ القرضاوي



شرعية المظاهرات السلمية
( للشيخ القرضاوي )



السؤالما رأي فضيلتكم فيما ذكره بعض العلماء من عدم مشروعية تسيير المسيرات والمظاهرات، تأييدا لمطالب مشروعة، أو تعبيرا عن رفض أشياء معيَّنة في مجال السياسة، أو الاقتصاد، أو العلاقات الدولية، أو غيرها.
وقال هذا العالم: إن تنظيم هذه المسيرات أو الدعوة إليها، أو المشاركة فيها حرام.
ودليله على ذلك: أن هذه بدعة لم يعرفها المسلمون، وليست من طرائق المسلمين، وإنما هي مستوردة من بلاد اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من الكفرة والملحدين.
وتحدَّى هذا العالم مَن يأتيه بواقعة واحدة، سارت فيها مظاهرة كبيرة أو صغيرة، في عهد الرسول أو الصحابة.
وإذا كانت هذه المسيرات تعبِّر عن الاحتجاج على الحكومة، فهذا خروج على المنهج الإسلامي في إسداء النصيحة للحكام، والمعروف: أن الأولى في هذه النصيحة أن تكون بين الناصح والحاكم، ولا تكون على الملأ.
على أن هذه المسيرات كثيرا ما يستغلُّها المخرِّبون، ويقومون بتدمير الممتلكات، وتخريب المنشآت. ولذا وجب منعها سدًّا للذرائع.
فهل هذا الكلام مسلَّم من الوجهة الشرعية؟ وهل يسوغ للناس في أنحاء العالم: أن يسيِّروا المظاهرات للتعبير عن مطالبهم الخاصة أو العامة، وأن يـؤثِّروا في الرأي العام من حولهم، وبالتالي يؤثِّرون على الحكام وأصحاب القـــرار، إلا المسلمين دون غيرهم، يحرم عليهم استعمال هذه الوسيلة التي أصبحت عالمية؟
نرجو أن نسمع منكم القول الفصل، الموثَّق بأدلَّة الشرع، في هذه القضية الخطيرة، التي غدت تهمُّ كلَّ الناس في سائر الأقطار والقارات.
وفَّقكم الله وسدَّدكم.
عدد من طلاب العلم الشرعي

الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداه.
(أما بعد)
فمن حق المسلمين - كغيرهم من سائر البشر - أن يسيروا المسيرات وينشئوا المظاهرات، تعبيرا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغا بحاجاتهم إلى أولي الأمر، وصنّاع القرار، بصوت مسموع لا يمكن تجاهله. فإن صوت الفرد قد لا يسمع، ولكن صوت المجموع أقوى من أن يتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون، وكان معهم شخصيات لها وزنها: كان صوتهم أكثر إسماعا وأشد تأثيرا. لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قوي بجماعته. ولهذا قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا" وشبّك بين أصابعه(1).
ودليل مشروعية هذه المسيرات: أنها من أمور (العادات) وشؤون الحياة المدنية، والأصل في هذه الأمور هو: الإباحة.
وهذا ما قررته بأدلة - منذ نحو نصف قرن - في الباب الأول من كتاب: (الحلال والحرام في الإسلام) الذي بين في المبدأ الأول أن القاعدة الأولى من هذا الباب: (أن الأصل في الأشياء الإباحة). وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره جمهور الفقهاء والأصوليين.
فلا حرام إلا ما جاء بنصٍّ صحيح الثبوت، صريح الدلالة على التحريم. أما ما كان ضعيفا في مسنده، أو كان صحيح الثبوت، ولكن ليس صريح الدلالة على التحريم، فيبقى على أصل الإباحة، حتى لا نحرم ما أحل الله.
ومن هنا ضاقت دائرة المحرمات في شريعة الإسلام ضيقا شديدا، واتسعت دائرة الحلال اتساعا بالغا. ذلك أن النصوص الصحيحة الصريحة التي جاءت بالتحريم قليلة جدا، وما لم يجئ نص بحله أو حرمته، فهو باق على أصل الإباحة، وفي دائرة العفو الإلهي.
وفي هذا ورد الحديث: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا". وتلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64] (2).
وعن سلمان الفارسي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم" (3)، فلم يشأ عليه الصلاة والسلام أن يجيب السائلين عن هذه الجزئيات، بل أحالهم على قاعدة يرجعون إليها في معرفة الحلال والحرام، ويكفي أن يعرفوا ما حرم الله، فيكون كل ما عداه حلالا طيبا.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" (4).
وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، وهي التي نسميها: (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرّمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119]، عام في الأشياء والأفعال.
وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي، وفيها جاء الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (5)، وذلك أن حقيقة الدين تتمثل في أمرين: ألا يُعبد إلا الله، وألا يُعبد إلا بما شرع، فمن ابتدع عبادة من عنده - كائنا من كان - فهي ضلالة ترد عليه، لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يُتقرب بها إليه.
وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئا لها، بل الناس هم الذين أنشأوها وتعاملوا بها، والشارع جاء مصححا لها ومعدلا ومهذبا، ومقرا في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه. والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به - أي من العادات - كيف يحكم عليه بأنه محظور؟
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرّمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} [يونس:59].
وهذه قاعدة عظيمة نافعة، وإذا كان كذلك فنقول:
البيع، والهبة، والإجارة، وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم - كالأكل والشرب واللباس - فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لا بد منه، وكرهت ما لا ينبغي، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها.
وإذا كان كذلك، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاءون، ما لم تحرم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة - وإن كان بعض ذلك قد يستحب، أو يكون مكروها - وما لم تحد الشريعة في ذلك حدا، فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي) (6) انتهى.
ومما يدل على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن (7).
فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا منهي عنه، وأنهم في حل من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع، وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم، وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة، ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله.
والقول بأن هذه المسيرات (بدعة) لم تحدث في عهد رسول الله ولا أصحابه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار: قول مرفوض؛ لأن هذا إنما يتحقق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص. فالأصل في أمور الدين (الاتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع) (8).
ولهذا ابتكر الصحابة والتابعون لهم بإحسان: أمورا كثيرة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما يعرف بـ(أوليات عمر) وهي الأشياء التي ابتدأها عمر رضي الله عنه، غير مسبوق إليها، مثل: إنشاء تاريخ خاص للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها.
وبعد الصحابة أنشأ التابعون وتلاميذهم أمورا كثيرة، مثل: ضرب النقود الإسلامية، بدل اعتمادهم على دراهم الفرس ودنانير الروم، وإنشاء نظام البريد، وتدوين العلوم، وإنشاء علوم جديدة مثل: إنشاء علم أصول الفقه، وتدوين علوم النحو والصرف والبلاغة، وعلم اللغة، وغيرها.
وأنشأ المسلمون (نظام الحسبة) ووضعوا له قواعد وأحكاما وآدابا، وألّفوا فيه كتبا شتّى.
ولعل مما يؤيد هذا المسلك، الحديث الصحيح: "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" (9)فهو يحث على المبادرة واتخاذ الموقف القدوة، الذي يرغب الآخرين في تقليده واتباعه، فيكون له أجرهم. وقد قيل: الفضل للمبتدي، وإن أحسن المقتدي!
ولهذا كان من الخطأ المنهجي: أن يطلب دليل خاص على شرعية كل شأن من شؤون العادات، فحسبنا أنه لا يوجد نص مانع من الشرع.
ودعوى أن هذه المسيرات مقتبسة أو مستوردة من عند غير المسلمين: لا يثبت تحريما لهذا الأمر، ما دام هو في نفسه مباحا، ويراه المسلمون نافعا لهــم." فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها"(10).
وقد اقتبس المسلمون في عصر النبوة طريقة حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهي من طرق الفرس.
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتما، حيث أشير عليه أن يفعل ذلك، فإن الملوك والأمراء في العالم، لا يقبلون كتابا إلا مختوما .
واقتبس الصحابة نظام الخراج من دولة الفرس العريقة في المدنية والتنظيم.
واقتبسوا كذلك تدوين الدواوين من دولة الروم، لما لها من عراقة في ذلك.
وترجم المسلمون الكتب التي تتضمن (علوم الأوائل) أي الأمم المتقدمة، التي طورها المسلمون وهذبوها وأضافوا إليها، وابتكروا فيها مثل: (علم الجبر) بشهادة المنصفين من مؤرخي العلم.
ولم يعترضوا إلا على (الجانب الإلهي) في التراث اليوناني؛ لأن الله تعالى أغناهم بعقيدة الإسلام عن وثنية اليونان وما فيها من أساطير وأباطيل.
ومن نظر إلى حياتنا المعاصرة في شتى المجالات: وجد فيها كثيرا جدا مما اقتبسناه من بلاد الغرب: في التعليم والإعلام والاقتصاد والإدارة والسياسة وغيرها.
ففكرة الدستور، والانتخابات بالصورة المعاصرة، وفصل السلطات، وإنشاء الصحافة والإذاعة والتلفزة، بوصفها أدوات للتعبير والتوجيه والترفيه، وإنجاز الشبكة الجبارة للمعلومات (الإنترنت).
والتعليم بمؤسساته وتقسيماته وترتيباته ومراحله واختباراته وآلياته المعاصرة، مقتبس في معظمه من الغرب.
والشيخ رفاعة الطهطاوي، حين ذهب إلى باريس إماما للبعثة المصرية، ورأى من ألوان المدنية ما رأى، بهرته الحضارة الحديثة، وعاد لينبه قومه إلى ضرورة الاقتباس مما سبق به الأوربيون، حتى لا يظلوا يتقدمون ونحن نتأخر.
ومن يومها بدأ المصريون، وبدأ معهم كثير من العرب، وقبلهم بدأ العثمانيون في اقتباس ما عند الغربيين.
كل هذه مقتبسات من الغرب الذي تفوق علينا وسبقنا بها، ولم نجد بدا من أن نأخذها عنه، ولم تجد نكيرا من أحد من علماء الشرع ولا من غيرهم فأقرها العرف العام. وقد أخذ الغرب عنا من قبل واقتبس منا، وانتفع بعلومنا أوائل نهضته: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
المهم أن نأخذ ما يلائم عقائدنا وقيمنا وشرائعنا، دون ما يناقضها أو ينقضها. فالناقل هو الذي يأخذ من غيره ما ينفعه لا ما يضره. وأهم ما يأخذه المسلم من غيره: ما كان متعلقا بشؤون الحياة المتطورة، وجله يتصل بالوسائل والآليات التي طابعها المرونة والتغير، لا بالأهداف والمبادئ التي طابعها الثبات والبقاء.
على أن ما ذكره السائل أو السائلون، من نسبة هذه المظاهرات أو المسيرات إلى الشيوعيين الملحدين: غير صحيح، فالأنظمة الشيوعية لا تسمح بهذه المسيرات إطلاقا؛ لأن هذه الأنظمة الشمولية القاهرة تقوم على كبت الحريات، وتكميم الأفواه، والخضوع المطلق لسلطان الحكم وجبروته.
قاعدتان مهمتان:
وأود أن أقرر هنا قاعدتين في غاية الأهمية:
1- قاعدة المصلحة المرسلة:
الأولى هي: قاعدة المصلحة المرسلة، فهذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر: إنما تدخل في دائرة (المصلحة المرسلة)، وهي التي لم يرد من الشرع دليل باعتبارها ولا بإلغائها.
وشرطها: أن لا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرها الشرع، والتي إذا عرضت على العقول، تلقتها بالقبول، وألا تعارض نصا شرعيا، ولا قاعدة شرعية.
وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلا شرعيا يبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلل إلا بمطلق مصلحة تُجلب، أو ضرر يُدفع.
وكان الصحابة - وهم أفقه الناس بهذه الشريعة - أكثر الناس استعمالا للمصلحة واستنادا إليها.
وقد شاع أن الاستدلال بالمصلحة المرسلة خاص بمذهب المالكية، ولكن الإمام شهاب الدين القرافي المالكي (684هـ) يقول، ردا على من نقلوا اختصاصها بالمالكي: (وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا أو جمعوا أو فرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهدا بالاعتبار لذلك المعنى الذي جمعوا أو فرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب) (11).
2- للوسائل حكم المقاصد: 
والقاعدة الثانية: هي أن للوسائل في شؤون العادات حكم المقاصد، فإذا كان المقصد مشروعا في هذه الأمور، فإن الوسائل إليه تأخذ حكمه، ولم تكن الوسيلة محرمة في ذاتها.
ولهذا حين ظهرت الوسائل الإعلامية الجديدة، مثل (التلفزيون) كثر سؤال الناس عنها: أهي حلال أم حرام؟
وكان جواب أهل العلم: أن هذه الأشياء لا حكم لها في نفسها، وإنما حكمها بحسب ما تستعمل له من غايات ومقاصد. فإذا سألت عن حكم (البندقية) قلنا: إنها في يد المجاهد عون على الجهاد، ونصرة الحقِّ، ومقاومة الباطل، وهي في يد قاطع الطريق عون على الجريمة، والإفساد في الأرض، وترويع الخلق.
وكذلك التلفزيون: مَن يستخدمه في معرفة الأخبار، ومتابعة البرامج النافعة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، بل والبرامج الترفيهية بشروط وضوابط معينة، فهذا لا شك في إباحته ومشروعيته، بل قد يتحول إلى قربة وعبادة بالنية الصالحة. بخلاف من يستخدمه للبحث عن الخلاعة والمجون وغيرها من الضلالات في الفكر والسلوك.
وكذلك هذه المسيرات والتظاهرات، إن كان خروجها لتحقيق مقصد مشروع، كأن تنادي بتحكيم الشريعة، أو بإطلاق سراح المعتقلين بغير تهمة حقيقية، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو بإلغاء حالة الطوارئ التي تعطي للحكام سلطات مطلقة. أو بتحقيق مطالب عامة للناس مثل: توفير الخبز أو الزيت أو السكر أو الدواء أو البنزين، أو غير ذلك من الأهداف التي لا شك في شرعيتها: فمثل هذا لا يرتاب فقيه في جوازه.
ومثل ذلك: الاحتجاج على ما يحدث للإخوة في فلسطين، أو الحفريات تحت المسجد الأقصى، أو الحرب على العراق، أو الاحتجاج على الرسوم المسيئة لشخصية النبي عليه الصلاة والسلام.
وأذكر أني كنت في سنة 1989م في الجزائر، وقد شكا إلي بعض الأخوات من طالبات الجامعة من الملتزمات والمتدينات، من مجموعة من النساء العلمانيات أقمن مسيرة من نحو خمسمائة امرأة، سارت في شوارع العاصمة، تطالب بمجموعة من المطالب تتعلق بالأسرة أو ما يسمى (قانون الأحوال الشخصية) مثل: منع الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو طلب التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث، أو إباحة تزوج المسلمة من غير المسلم، ونحو ذلك.
فقلت للطالبات اللائي سألنني عن ذلك: الرد على هذه المسيرة العلمانية: أن تقود المسلمات الملتزمات مسيرة مضادة، من خمسمائة ألف امرأة! أي ضعف المسيرة الأولى ألف مرة! تنادي باحترام قواطع الشريعة الإسلامية.
وفعلا بعد أشهر قليلة أقيمت مسيرة مليونية عامتها من النساء تؤيد الشريعة، وإن شارك فيها عدد محدود من الرجال، يقودهم عالم الجزائر: الشيخ أحمد سحنون رحمه الله.
فهذه المسيرة - بحسب مقصدها - لا شك في شرعيتها، بخلاف المسيرة الأخرى المعارضة لأحكام الشريعة القطعية، لا يستطيع فقيه أن يفتي بجوازها.
سد الذرائع:
أما ما قيل من منع المسيرات والتظاهرات السلمية، خشية أن يتخذها بعض المخربين أداة لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل. فمن المعروف: أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها، حتى تكون وسيلة للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.
ويكفي أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان، كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظموها بأن يتولوا ضبطها بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسؤولية عن ذلك. وهذا المعمول به في البلاد المتقدمة ماديا.
في السنة دليل على شرعية المسيرات:
أعتقد أن فيما سقناه من الأدلة والاعتبارات الشرعية، ما يكفي لإجازة المسيرات السلمية إذا كانت تعبر عن مطالب فئوية أو جماهيرية مشروعة.
وليس من الضروري أن يطلب دليل شرعي خاص على ذلك، مثل نص قرآني أو نبوي، أو واقعة حدثت في عهد النبوة أو الخلافة الراشدة.
ومع هذا، نتبرع بذكر واقعة دالة، حدثت في عهد النبوة، وذلك عندما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولنستمع إلى عمر نفسه، وهو يقص علينا نبأ هذه المسيرة، يقول بعد أن دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم معلنا الشهادتين: (فقلتُ: يا رسول الله، ألسنا على الحقِّ إن متنا وإن حيينا؟
قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحقِّ، إن متم وإن حييتم".
قال: فقلتُ: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن. فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد. قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق) (12).
ومن تتبَّع السيرة النبوية، والسنة المحمدية، لا يعدم أن يجد فيها أمثلة أخرى.
والحمد لله ربِّ العالمين.
-----------------------------
تم نشر هذه الفتوى في كتاب (فتاوى معاصرة )، الطبعة الأولى 2009م، (4/819-830).
(1) متفق عليه: رواه البخاري في الصلاة (481)، ومسلم في البر والصلة (2585)، كما رواه أحمد (19624)، والترمذي في البر والصلة (1928)، والنسائي في الزكاة (2560) عن أبي موسى
(2) رواه الدارقطني في السنن كتاب الزكاة (2/137)، والحاكم في التفسير (2/406)، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، والبيهقي في الكبرى كتاب الضحايا (10/12)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2256)عن أبي الدرداء.
(3) رواه الترمذي في اللباس (1726)، وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وابن ماجه في الأطعمة (3367)، والحاكم في الأطعمة (4/129)، وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الكبير (6/250)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2731).
(4) رواه الدارقطني في سننه كتاب الرضاع (4/183)، والطبراني في الكبير (22/221)، والبيهقي في الكبرى كتاب الضحايا (10/12)، عن أبي ثعلبة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1597).
(5) متفق عليه: رواه البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718)، كما رواه أحمد (26033)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14) عن عائشة.
(6) القواعد النورانية الفقهية لشيخ ابن تيمية ص113،112، وعلى أساس هذه القاعدة قرر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعامة فقهاء الحنابلة: أن الأصل في العقود والشروط الإباحة، فكل عقد لم يرد نص بتحريمه بخصوصه، ولم يشتمل على محرم فهو حلال.
(7) متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (5208)، ومسلم في النكاح (1440)، كما رواه أحمد (14318)، والترمذي في النكاح (1137)، وابن ماجه في النكاح (1927).
(8) انظر: كتابنا (السنة مصدرا للمعرفة والحضارة) صـ245، طبعة دار الشروق.
(9) رواه مسلم (1017)، والنسائي (2554)، كلاهما في الزكاة، وابن ماجه في المقدمة (203) عن جرير.
(10) رواه الترمذي في العلم (2687)، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن ماجه في الزهد (4169) عن أبي هريرة، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (506). ولكن معناه صحيح بالإجماع.
(11) شرح تنقيح الفصول صـ 171 .
(12) انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (1/40) طبعة دار الكتاب العربي بيروت، وانظر: صفة الصفوة (1/130-104).

معنى الثورات العربية


الثورات والانتفاضات هي في الجوهر ظهور قوة جديدة تضع توازن القوى المهيمنة موضع التسائل وتنقله الي اللاتوازن ، وهي عادة ما تستمر حتى ينشأ توازن جديد مستقر. القوة الجديدة في العالم العربي ، والتي أعربت عنها تونس وتردد صداها في أنحاء العالم العربي ، هي قوة الشعب. الشعب يريد أن يحكم نفسه في دولة تخدم المصالح العامة للجميع ، وليس مصالح القلة.ان تحميل الانتفاضات العربية أكثر من ذلك هي مسئلة مضللة وقد تكون خطرة. فعلى الرغم من الإيديولوجيات المختلفة المشاركة في الانتفاضات ، لا توجد ايديولوجية مهيمنة -- أو بعبارة أخرى ، ليس هناك في هذه الثورات سوى مهمة بناء دولة ديمقراطية مستقلة. التنوع في الوحدة هي واحدة من ملامح ثراء و نضج الثورة العربية الحالية
ان المستقبل لن يكون كالماضي أبدا سواء إذا كانت الانتفاضات قد انتصرت أو هزمت بالقوة. فقد اطاحت الانتفاضات بالفعل زين العابدين بن علي ومبارك وفتحت الطريق لبناء دولة ديمقراطية مدنية في تونس ومصر.
ولقد انتهت في العالم العربي شرعية التيارات التي أعلنت نفسها طليعة تحكم باسم الشعب من دون طلب راي الناس. لا شرعية ، بعد الآن ، لأي نظام دون تلبية الحقوق الفردية والوطنية للجميع. لا شرعية للحكومات الغير منتخبة. لاملكيات مطلقة ولا جمهوريات شخصية
ان القوى المهيمنة التي تتحداها القوة الجديدة هي الأنظمة العربية و الامبريالية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ، التي غزت واحتلت العراق وكذلك إسرائيل وحتى الإيديولوجيات المعارضة لهذه القوى التي لعبت دورا في تحويل انظار الشعب عن النضال لان يحكم نفسه بنفسه.
ولقد اعلنت الثورة العربية الحالية وبشرت بان ما يريده الشعب يستطيع تحقيقه بنفسه دون انتظار التيارات الطليعية لتقوده الى الثورة
ان تركيب الانطمة العربية الحالي محكوم عليه بالتغيير فإما أن تبدأ قيادات الانظمة إصلاحات حقيقيةتقود إلى دولة مواطنين وبالتالي تفقد هي امتيازاتها، أو محاربة الشعب وبالتالي السقوط. ان ردود الفعل من قبل الانظمة مختلفة ، ولكن مثال العراق اولا ، وكذلك تونس ومصر تقدم دليلا على أن الأنظمة ان اعتمدت على قوة الشرطة والقمع فهي لا يمكن أن تستمر في الحكم ونهايتها السقوط. وامثلة اليمن وسوريا وفلسطين تظهر ان ما يواجه الانطمة هو إما إصلاح الأنظمة بالاستماع إلى الشعب أو ان تواجه، منهكة نفسها في الوقت داته، معارضة شعبية لن تتوقف. ان الشعوب قد اعلنت انها تريد أن تحكم نفسها بنفسها من أجل مصلحة الجميع.
لقد اعلن العرب ، بمن فيهم الفلسطينيون ،ان بامكانهم بناء الديمقراطية. ان اسرائيل ترتجف لانكشاف كذبة احتكارها الديمقراطية وهي لا تستطيع وقف هذا يشن حربا جديدة لوقف التحولات الديمقراطية فشن مثل هذه الحرب الان ان لم تكن قاتلة لها كليا فهي كذلك على الأقل من الناحية السياسية ، لا سيما في أن مصر كان لديها الحكمة لأن تعلن ان ثورتها ليس لشن الحروب ولكن للدفاع عن أمنها وحقوقها ومصالحها
 ان نتائج فشل العولمة الليبرالية ، واوصاع الأزمة المالية العالمية المخيمة وتجربة مواجهةالمقاومة في العراق تجعل الولايات المتحدة وحلفاءها تفكر ألف مرة قبل أن تشن حربا ضد الانتفاضة العربية الديمقراطية. ان ذلك سيكون كارثة مالية معلنة مسبقا ، وكارثة للادارة الامريكية ومصالحها. وبالتالي فانها بدلا من شن الحرب تحاول احتواء الثورات عن طريق اتخاذ تدابير ايديولوجية ودبلوماسية واقتصادية ، أو وضع حدود للانتفاضة واجهاض الثورة عن طريق التدخل العسكري المحدود ، كما هو الحال في ليبيا. ان هذه المحاولات هي محاولات فاشلة ودون جدوى وهي لن تستطيع ايقاف التغييرات الديموقراطية
ولكن على الرغم من تواطؤ اميركا مع إسرائيل ، وغزوها واحتلالها للعراق ،واتباع سياسة الكيل بمكيالين وتدخلها في الشؤون العربية الداخلية ، وهي امور يعارضها العرب ،فليس في الانتفاضات العربية ما تبين أن هذه الانتفاضات هي ضد حرية التجارة والتبادل ، بما في ذلك النفط. مع امريكا والعالم,
اما الثقافة العربية التي تحتم أن الأرض وما في باطنها هي ملك للأمة ، ولا يمكن نقل ملكيتها لغيرها ، وتحتم بأن الدولة هي المسؤولة عن الخدمات العامة ، وهي ثقافة مشتركة لدى غالبية الشعب ، فعلى الولايات المتحدة والغرب ان تقبل هذا الأمر لان هذه الثقافة هي من صلب الهوية العربية
منذ 100 عاما فان القوى الخارجية هي التي تقرر للأنظمة العربية والعرب ما يجب التفكير والقيام به. الثورات العربية تعلن عهدا جديدا ، ليس فقط للعرب بل أيضا للعالم. وهو انه عندما يقرر الشعب امرا ، فإنه يستطيع تحقيقه . ان تملك العرب ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة ، بينما في الوقت نفسه الدفاع عن حقوقهم الوطنية والقومية سيغير الوضع في المنطقة العربية والبحر المتوسط ​​وما ابعد.
ان القوى القديمة تموت. ولم تحل محلها القوى الجديدة بعد . بالنسبة لنا فان المستقبل مليء الإنسانية